بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع الايثار
من العجيب أن نجد أخلاقا إسلامية اندثرت ولم تعد معروفة مع أن الإسلام أمر بها، والرسول صلى الله عليه وسلم فعلها وتخلق بها، والعجيب أيضاً أنه إذا أردت أن تبحث عن مرادف لكلمة (الإيثار) في أي لغة أخرى مثل الإنجليزية مثلاً لن تجد لها معنى وكذلك في الفرنسية، وليس الإيثار فقط ولكن أخلاق إسلامية عديدة مثل (الحياء) ترجمته بالإنجليزية (Shy) وهذه الكلمة تعني الخجل ولا تعطي معنى (الحياء) وكذلك (التواضع) تترجم إلى Humble وهذه الكلمة تعني الخنوع وليس التواضع.
مصطلح "الإيثار" لن تجده إلا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم ، في وسط رجال آمنوا بالإسلام وعاشوا للإسلام . و معناه: أن تفضل أخاك على نفسك، شيء من "حظوظ الدنيا" تتركه لأخيك فيستمتع هو به وتفقده أنت رغبة " في حظوظ الآخرة " .
نماذج في الإيثارمع النبي صلى الله عليه و سلم و الصحابة رضوان الله عليهم:
*في ليلة من ليالي الشتاء القارس في المدينة جاءته امرأة من أنصار المدينة وقد نسجت للنبي بردة من القطيفة ففرح بها ولبسها ، فخرج بها صلى الله عليه وسلم -(في أول لبسة) - فنظر له أحد الصحابة من الأنصار و أعجبته العباءة فقال: ألبسنيها يا رسول الله ، قال له النبي :" نعم" وخلعها له في الحال – صلى الله عليه وسلم – .
*جاء أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فتحت مكة وخبير و كثرت الغنائم والنبي والصحابة في حالة شدة وفقر فقد كان صلى الله عليه وسلم يربط حجرين على بطنه من شدة الجوع فبعد أن من الله عليهم بكل هذه الفتوحات، كان نصيب النبي من الغنائم، عدد أغنام ما بين جبلين، فنظر لهذه الغنائم فقال له النبي : "أتعجبك ؟" قال : نعم ، قال له النبي :" هي لك" ، فقال له : يا محمد ، أتَصدقني القول ؟ قال : "نعم خذها إن شئت " فقام الرجل وجرى إلى الغنم وهو يلتفت حوله، وأخذها كلها وعاد بها إلى قومه وقال لهم : أسلموا فقد جئتكم من عند خير الناس، إن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً.
*جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا نبي الله إني مجتهد – أي ليس معي ما آكل – فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض زوجاته هل عندكم من شيء ؟ فكلما بعث إلى واحدة ، أرسلت له قائلة لا والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء ، فقام النبي ونادى في أصحابه "من يضيف هذا الرجل ؟" فقام رجل من الأنصار وقال : أنا يا رسول الله ، وأخذه وأسرع إلى زوجته سألها : هل عندك طعام ؟ فقالت : لا إلا قوت صبياني فقال لها علليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء أنيميهم، حتى يأتي الضيف فضعي الطعام وأطفئي السراج حتى يشعر أننا نأكل فيأكل هو، وأكل الضيف حتى شبع ، وجاءت صلاة الفجر وذهبوا ليصلوا فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم : "لقد عجب الله تعالى من صنيعكما بضيفكما الليلة "– أي رضي عن صنيعكما – فأنزل الله تبارك وتعالى قوله " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " . خصاصة أي تعب – جوع – فقر – احتياج - لا تجد شيء وتؤثر أخاك.
*لا يكون الإيثار في الأموال فقط، ولكن في الأرواح أيضا.هذا طلحة بن عبيد الله يأتي للنبي يوم أحد ويقول له : " اخفض رأسك يا رسول الله ، نحري دون نحرك يا رسول الله ويقذَف النبي صلى الله عليه وسلم بسهم فيمنعه طلحة بيده ويخترق السهم يده ، وتشل هذه اليد الكريمة .
*يقف الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويقول " من يمنعهم عني وله الجنة؟" فقد كان الكفار يتكالبون عليه يريدون قتله. فيأتي عشرة من شباب الانصار ويموت الأول ثم الثاني ثم الثالث ، وكان آخرهم "يزيد بن السكن " ومات على قدم رسول الله وهو يدافع عنه فيرفع النبي رأسه إلى السماء ويقول اللهم إني أشهدك أن يزيد بن السكن قد وفى.
*عكرمة بن أبي جهل حارب النبي 22 سنة ثم أسلم وحسن إسلامه ومات شهيدا، عكرمة كان من ضمن الجرحى في معركة اليرموك، وقد وضع الجرحى جميعهم في مكان ما حتى تنتهي المعركة كلما جرح جندي وضعوه هناك. وكان ابن عم عكرمة في الساقة، أي ممن يسقون الجرحى، فيقول: بحثت عن عكرمة فوجدته في الجرحى يئن، يكاد يموت وبجواره عشرة من المسلمين، فأخذت أجري نحوه لأسقيه وإذا هو يتناول القرية ليشرب سمع صوت أخيه يقول : أنا عطشان فقال: لا والله لا أشرب حتى يشرب أخي، فذهبت الى الثاني وهو يشرب سمع أخوه يقول آه فقال : لا والله لا أشرب ، وذهبت الى الرابع و الخامس و .... حتى وصلت الى العاشر فقال : لا والله : لا أشرب حتى يشرب عكرمة ، فعدت الى عكرمة ، فإذا به مات شهيدا ، .. آثر على نفسه وهو يموت ،وهو جريح ونحن نبخل بالقليل من المال، نبخل بالملابس، نبخل بالعلم نخاف أن تعطى معلومة لزميلك فيتفوق عليك.
* سيدنا عمر بن الخطاب لحظة موته، عندما ضربه أبو لؤلؤه المجوسي وسقط في دمائه وعلم إنه الموت، قال لابنه : عبد الله بن عمر يا عبد الله : اذهب الى أم المؤمنين : عائشة وقل لها : عمر بن الخطاب ولا تقل أمير المؤمنين فلم أعد عليكم أميرا – عمر بن الخطاب يستأذنك أن يدفن مع صاحبيه (الرسول وأبو بكر) في حجرة عائشة ، فقالت عائشة : كنت أريد هذا المكان لنفسي، ولأوثنرن به عمر .
*سيدنا جعفر بن أبي طالب مات يوم مؤتة وترك ثلاثة أطفال والصحابة ضعفاء فقراء، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يكفل أولاد جعفر و له الجنة؟ يقول الراوي : فخرج ثلاثة من الصحابة يتشاجرون : أنا يا رسول الله ، بل أنا يا رسول الله ...
يقول الراوي: والثلاثة أفقر من بعضهم البعض .
يقول الإمام الغزالي في كتابه الإحياء، الإيثار على ثلاثة منازل :
الأولى و هي الأدنى: أن تنزل أخوك من نفسك منزلة الخادم فتطعمه وتعطيه مما يبقى وهذا إيثار .
الثانية: أن تنزله منزلة نفسك فكما تأخذ تعطيه.
والثالثة و هي الأعظم: أن تنزله فوق نفسك، فتفضل حاجته على حاجتك.
- هذه هي منازل الإيثار الثلاثة أختر لنفسك منها.
- أعظم الإيثار في هذه الدنيا : أن تؤثر مرضاة الله على مرضاة الناس، وأن تؤثر رضا الله على رضا من سواه وأن تؤثر رضا الله على هوى نفسك " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " ، مرضاة الله أولى.
عندما نعيش لأنفسنا فقط نعيش حياة قصيرة ، نولد صغار ونموت صغارا ، لكن عندما نعيش من أجل غيرنا نعيش كبارا وحياتنا تمتد بامتداد البشرية ، وهذا كلام حقيقي إذا عشت لغيرك وليس لنفسك فقط ستجد سعادتك في بسمة غيرك ، وفرصتك في فرصة غيرك، وستجد السعادة الكاملة عندما تجد من يدعو الله لك ويقول يا رب ارضى عنه كما أرضاني، لذة عجيبة, جربها ستجدها أعظم من اللذة التي كنت ستشعر بها إذا حصلت على الفائدة والمنفعة بمفردك .
أخرجوا الشح من بيوتتكم، ومن جيوبكم ترزقوا سخاء النفس وتذوقوا حلاوة الإيثار ، لذة غريبة كلما أعطيت كأنك أنت الذي أخذت..
إنها علاقة عجيبة بين الإيثار وبين سلامة الصدر، بين الإيثار ورحمة الناس، بين الإيثار وترك الكبر وترك الغل تريد أن تنقي صدرك تعلم الإيثار
- صلى الله علي نبينا معلم الإيثار، ويا خسارة على أمة ضاع فيها الإيثار.
من سلسلة الاخلاق للاستاذ عمرو خالد بتصرف